إن الآية بدأت بالتسبيح وهذا لا يكون إلا عند عظائم الأمور ، ثم إن الآية نسبت الإسراء لله وأنه هو الذي أسرى بعبده ، فإذن لابد أن يكون الأمر عظيماً وأن يخرج عن دائرة نواميس البشر ، ثم بعد ذلك جاء التعبير في الآية بعبده، والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد معاً ، ثم إنهم قالوا إنها لو كانت رؤيا منامية لما كانت معجزة ولما أستحقت التكذيب لأن الإنسان العادي يرى في منامه أنه قطع المسافات الطويلة ، وهذه الأمور الخارقة وهو في منامه ثم بعد أن يصحو لا ينكر عليه أحد ذلك ، وأيضاً للأحاديث الكثيرة التي جاءت بهذا المعنى منها ما ذكره ابن اسحاق فيما بلغه عن أم هانئ أنها قالت : ما أسرى برسول الله إلا من بيتي نام عندي تلك الليلة بعد ما صلى العشاء الآخرة فلما كان قبيل الفجر أهبنا([2]) ،فلما كان الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ : لقد صليت معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم قد صليت معكم الغداة كما رأيتهم ، ثم قام ليخرج وأخذت بطرف ردائه فقلت يا رسول الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبونك ويؤذونك ، قال والله لأحدثنهم فأخبرهم فكذبوه ([3]) .
وبهذا يتضح أن أصحاب هذا الرأي حجتهم أقوى ودليلهم واضح على أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد وقد حدث قبل هذه المعجزة حادثة شق الصدر وقد تكلمنا عنها بالتفصيل في الفصل الأول من الكتاب وهذه الواقعة كانت بمثابة التجهيز والتهيئة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحدث العظيم الفريد، ولهذا اللقاء الذي لم ينله أحد من الخلق على الإطلاق.
والإسراء هو لسير ليلاً وحدثت هذه المعجزة بأن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس في فلسطين من أرض الشام في جزء يسير من الليل ، وذلك جاء من التعبير القرآني في قول الله تعالى :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ... } فالإسراء لا يكون إلا عن السير ليلاً فلماذا ذكر ليلاً بعد ذلك وجعلها نكرة ؟ إشارة إلى أن الرحلة لم تستغرق الليل كله ولكنها كانت في جزء يسير من الليل .
[1]) سورة الإسراء الأية 1
[2]) أهبنا : أي أيقظنا
[3]) السيرة النبوية لابن كثير 2/97